قال معاوية ابن أبى سفيان لضرار بن حمزة : 
صف لي علياً فقال : أو تعفيني : قال : بل تصفه .
فقال : أو تعفيني .
قال : لا أعفيك قال : أما إن لابد فإنه كان بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه 
يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة ، يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن 
ومن الطعام ما جشب ، كان والله كأحدنا ؛ يجيبنا إذا سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له ، ولانبتديه 
تعظيماً له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤة المنظوم، يعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوى في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله 
لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، وكأني
أسمعه وهو يقول : يا دنيا ألي تعرضت أم لي تشوفت ؟ هيهات غري غيري ، قد بتتك ثلاثاً فلا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير، 
وخطرك كبير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق .
قال : فذرفت دموع معاوية فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف 
حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترفأ عبرتها ولا يسكن حزنها . 
التبصرة لابن الجوزي ( 1/ 442 ، 445)