فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما .
أما بعد
عباد الله اتقوا الله تعالى واذكروا ما أنتم فيه من النعم فإن الله تعالى قد أنعم عليكم بنعم ظاهرة وباطنة بنعم دينية ودنيوية أنزل عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يتذكرون أيها المسلمون إن هذا اللباس هو الزينة التي أخرج الله لعباده وأحلها لهم وأنكر على من يحرمها بدون برهان قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَة) إن في إضافة هذه الزينة إلى الله ووصفها بأنه الذي أخرجها لعباده لأكبر برهان على أنه ليس من حقنا أن نتحكم بهذه الزينة لا في تحليل ولا في تحريم وإنما حكمها إلى الله وحده لأنه الذي أخرجها لعباده وحده وليس من حقنا كذلك أن نستعملها كما نشاء وإنما نستعملها على الوجه الذي أذن لنا فيه بدون تعدي لحدود الله: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أيها المسلمون لقد حدد الله لنا استعمال هذا اللباس نوعاً وكيفا حلاً وحرما لألا نتجاوز بها إلى حد لا يليق بنا أما الحل فإن الحلال من هذا اللباس هو الأصل لأن الله يقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) واللباس مما خلق الله لنا في الأرض فهو حل لنا حتى يقوم دليل على تحريمه ولهذا كان الحلال من اللباس أكثر بكثير من المحرم وأما المحرم فهو قليل بالنسبة إلى الحلال لأن عطاء الله سبحانه أوسع من منعه ولا يمنع تعالى شئ إلا لحكمة بالغة اقتضت المنع وإن من المحرم في لباس أن يلبس الإنسان الصور أو ما فيه صورة لأن عائشة رضي الله عنها اشترت نمرقه والنمرقة الوسادة أو المخدة وكان فيها تصاوير فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآها قام على الباب ولم يدخل قالت: فعرفت في وجهه الكراهية فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما بال هذه النمرقة) فقلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم أحيوا ما خلقتم) ثم قال صلى الله عليه وسلم( إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة) رواه البخاري ومسلم أيها المسلمون في هذا الحديث قام النبي صلى الله عليه وسلم على الباب ولم يدخل لأن في البيت مخدة فيها صورة وظهرت كراهية ذلك على ملامح وجهه حتى أعلنت أم المؤمنين عائشة التوبة من أجل ما رأت في وجهه وإن من أمة محمد وإن من المسلمين من يصطحبون الصور في ملابسهم فيلبسون الصور أو يلبسون ما فيه الصور نعم لقد غزانا أعداء الإسلام بفتنة هذه الصور فأتونا بها من كل فج ورمونا بها من كل ناحية وضعوا هذه الصور في ملابسنا فكان في بعض الأقمشة صور الحيوانات الكبيرة أو الصغيرة بالتلوين تارة وبوضع قصاصات أو مطاط على صورة حيوان تارة أخرى تجدون ذلك ظاهراً في الألبسة الجاهزة وصنعوا لنا وصنعوا لنا حلياً من الذهب أو غيره على صورة الحيوانات على صورة فراشة أو سمكة أو أسد أو غير ذلك لنلبسه فتفارقنا الملائكة بلبسه صنعوا لنا ذلك وأكثروا علينا منه ليهون علينا أمره ولننسى أمر الله ورسوله فيه أو نتهاون في أمر الله ورسوله أيها المسلمون إن لباس هذه المصورات محرم وبيعها محرم وشرائها محرم لأنه إعانة على الإثم وقد قال الله تعالى: ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وكما لا يجوز للمسلم أن يلبس الصورة أو ما فيه صورة فإنه لا يجوز له أن يلبسها صبيه الصغير ذكراً كان أم أنثى والخلاص من ذلك إذا كان عند الإنسان أن يقطع رأسها إن كانت حلياً أما إن كانت في قماش فإن كانت ملصقة إلصاقاً فليخلعها أو ليخلع رأسها وإن كانت مرسومة باللون وضع على الرأس لوناً يطمسه وفي صحيح مسلمٌ عن أبي الهياج الأسدي أن علي أبن أبي طالب رضي الله عنه قال ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ومن المحرم من اللباس ما يحرم على الرجال خاصة وهو لبس ما نزل عن الكعبين من السراويل أو القمص أو المشالح أو غيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم(ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) رواه البخاري قال أبن عمر رضي الله عنهما: ( ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص) فلا يحل للرجل أن ينزل شيئاً من ثيابه أسفل من الكعبين لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد على ذلك بالنار ولا وعيد إلا على فعل محرم ولقد ظن بعض الناس أن هذا الحديث في من نزل ثيابه خيلاء والخيلاء أن يتخيل الشخص لنفسه منزلةً عالية فيتعاظم في نفسه ويعجب بها ظن بعض الناس أن هذا الحديث وهذا الوعيد في من نزل ثيابه خيلاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فأراد هذا البعض أن يحمل ذاك المطلق على هذا المقيد ولكن هذا ليس بصحيح أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فيما رواه مالك وأبو داؤود والنسائي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول(أزرة المؤمن إلى نصف ساقين لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما كان أسفل من ذلك فهو في النار ومن جرى إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة) وثانياً أن الوعيد فيهما مختلف وسببه مختلف الوعيد في من جر ثوبه خيلاء أن الله لا ينظر إليه والوعيد في من نزل ثوبه عن كعبيه أنما نزل في النار فالعقوبة في هذا جزئية والعقوبة الأولى أن الله لا ينظر إليه وهو أعظم من تعذيب جزءٍ من بدنه بالنار وأما السبب فمختلف أيضا فأحدهما أنزله إلى أسفل من الكعبين والثاني جره خيلاء وهذا أعظم ولذلك كانت عقوبته أعظم وقد قال علماء أصول الفقه أنه إذا أختلف السبب والحكم في الدليلين لم يحمل أحدهما على الآخر وعلى هذا فلا يحل للرجل أن ينزل شيئاً من ثيابه تحت الكعبين سواء كان ذلك سراويل أم قميصاً أم مشلحاً أم غيرها فإن فعل فعقوبته أن يعذب موضع النازل بالنار ولا يحل له أن يجر شيئاً من ذلك خيلاء فإن فعل فعقوبته أن الله لا ينظر أليه بل في صحيح مسلم عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) قالها ثلاثاً فقال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال( المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكذاب) ودخل شاب من الأنصار على عمر بن الخطاب رضي الله عنه يثني عليه مع الناس حين طعن عمر رضي الله عنه فلما أدبر الشاب إذا إزاره يمس الأرض فقال عمر ردوا علي الغلام فردوه عليه فقال له عمر يا ابن أخي أرفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك فائدتان في رفع الثوب ينبه عليهما أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بقاء الثوب حيث لا تتلف الأرض أسفله وتقوى الله عز وجل: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) أيها المسلمون قد يقول متهور أنا لا أبالي إذا تلف أسفل ثوبي وجوابنا عليه أن نقول إذا كنت لا تبالي بتلف أسفل ثوبك فهل لا تبالي أيضاً إذا أضعت تقوى الله عز وجل هل لا تبالي إذا استعنت بنعمه على معاصيه فانقلبت النعم نغما والمتعة ألما هل لا تبالي إذا عذب على ذلك يوم القيامة في نار جهنم أفلا تتقي الله عز وجل أفلا تشكر نعمة الله عليك ألم ترى أنه يوجد من بني أدم اليوم من لا يجد لقمة العيش ولا يجد كسوة يستر بها عورته أفلا تتقي ربك أفلا ترفع ثوبك أفلا ترفع مشلحك أفلا ترفع إزارك أفلا ترفع سراويلك أتقي الله يا أخي إن نعم الله عليك لابد أن تحاسب عليها لابد أن تسأل عن مالك فيما أفنيته أيها المسلمون اتقوا الله عز وجل استعينوا بنعمة الله على طاعته واحفظوا حدوده وأقيموا فرائضه واعبدوا الله حق عبادته ما استطعتم اللهم إنا نسألك أن تجعل ما أنعمت به علينا عوناً لنا على طاعتك اللهم جنبنا أسباب سخطك ومعاصيك اللهم استعملنا فيما يرضيك اللهم هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. . الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدأ الفجر وأنور وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد أيها الناس
ومادمنا نتحدث عن نعم الله التي استعملها بعض الناس في معاصي الله فإننا نشير إلى ظاهرة قيل لنا قد بدأت في الزواجات ألا وهي أن بعض الناس يستعملون في قصور الأفراح يستعملون المسجلات أو يستعملون الأغاني من النساء ويجعلون ذلك ظاهراً بارزاً في مكبر الصوت فيزعجون من حولهم فتظهر أصوات النساء أو أصوات المغنين و أن هذا حرام عليهم ولا يحل لهم وإن الواجب علينا كشعب مؤمن يؤمن بالله عز وجل الواجب علينا أن نمنع ذلك وإن الواجب على أهل القصور الأفراح أن يمنعوا ذلك وعلى المسئولين أن يتخذوا عليهم تعهداً بهذا لأنهم إذا أذنوا لمن استعمل هذه القصور بهذا الأمر المحرم صاروا قد أجروها على وجه محرم فتكون إجارتها باطلة حرام عليهم أيها المؤمنون إن هذا منكر لا يجوز إقراره إن الذي أذن فيه من استعمال النساء الغناء والدف ليس إلا على وجه محدود لا تكون فيه فتنة أما إذا كان فيه فتنة أو كان فيه مضرة على من حولهم فإن الفتنة يجب أن يقطع دابرها وإن ما كان فيه أذية لمن حولهم فإنه يجب أن يقطع دابره أيضاً لأن إيذاء المؤمنين وإيذاء من حول الناس حتى بالقرءان لا يحل ولا يجوز ولذلك لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يجهرون بالقراءة وهم يصلون قال(كلكم يناجي ربه فلا يجهرن بعضكم على بعض في القرءان أو قال في القراءة ) فكل صوت يخرج يؤذي من حوله و يشوش عليه فإن الواجب على الإنسان أن يمتنع منه لأن الله يقول في كتابه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) أيها المسلمون إنني أقول إذا كان الصوت المؤذي حتى في قراءة القرآن نهى عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بالصوت الذي يؤذي في مثل هذا الأمر المنكر فإنه لا يجوز أبداً فاتقوا الله عباد الله لا تجعلوا نعم الله تعالى سبباً لما يكون فيه النقمة والعذاب من الله عز وجل أيها المسلمون أعلموا إن المعصية إذا كانت خفية فإنها لا تضر إلا من عملها أما إذا ظهرت وسكت الناس عنها فإن الله يوشك أن يعمهم بعقاب من عنده وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس خاص بالهيئة التي ترتبها الحكومة وإنما هو عام لكل مؤمن يقول النبي صلى الله عليه وسلم(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) وإن من التغير باللسان أن يتكلم الإنسان بالموعظة والدعوة إلى الله بالحكمة لمن استعملوا ذلك فإن لم يجزئ فيهم شيئاً فليرفع الأمر إلى المسئولين وبذلك تبرأ ذمته أسال الله تعالى أن يجعلنا من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر من الذين يدعون إلى الخير من الذين يدعون إلى الله على بصيرة من الذين إذا رأوا فاحشة قاموا بالإنكار على فاعلها حتى يكون عباد الله مستقيمين على شريعة الله اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا،اللهم أصلح ولاة أمورنا ورعيتنا يا رب العالمين، ربنا هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ربنا، ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .