باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه .
قال الحافظ رحمه الله في بلوغ المرام
وعن طلق بن علي رضي الله عنه قال : " قال رجل : مسست ذكري أو قال :الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا إنما هو بضعة منك " أخرجه الخمسة وصححه ابن حبان .
وقال ابن المديني : " هو أحسن من حديث بسرة " .
وعن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مس ذكره فليتوضأ " . أخرجه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان
وقال البخاري : "وهو أصح شيء في الباب " .
والكلام أولا مبني على هل مس الذكر ناقض للو ضوء أم أنه غير ناقض
فعلى القول بأنه ناقض للوضوء فلا معنى للقول بالإستحباب أو الوجوب فيما يتعين له الوضوء بل بالشرطية المتضمنة للوجوب فلا يصح أن يقال لمن انتقض وضوئه بمس الذكر ويريد الصلاة أن يقال له يستحب لك الوضوء وهو على غير طهارة !!!
فلا صلاة بغير طهور ولا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ . فلا يستقيم الجمع بهذه الطريقة .
قال ابن حزم رحمه الله تعالى في معرض رده لأحد الأقوال : " ...لأنه لا يخلو أن يكون انتقض وضوءه أو لم ينتقض فإن انتقض فعلى أصله يلزمه أن يعيد أبداً وإن لم ينتقض فلا يجوز له أن يصلي صلاة فرض واحدة في يوم مرتين .
وروى الإمام مالك عن نافع عن سالم بن عبد الله أنه قال : كنت مع عبد الله بن عمر في سفر فرأيته بعد أن طلعت الشمس توضأ ثم صلى قال : فقلت له إن هذه لصلاة ما كنت تصليها قال : إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي ثم نسيت أن أتوضأ فتوضأت وعدت لصلاتي .
وأما الجمع بالتفريق بين اللمس بشهوة و اللمس بغير شهوة فلا دليل عليه ولا نظير له يقاس عليه فهو بضعة منك في كلتا الحالتين وإنما يصح هذا التفريق على مذهب من يرى اللمس بشهوة ناقض للوضوء على العموم كلمس المرأة والقبلة ومس الذكر وغير ذلك بشهوة مستدلاً بقول الله تعالى { أو لامستم النساء } وهو مذهب مرجوح كما لايخفى وعلى هذا لايصح التفريق إذ لادليل عليه ولا قياس ولا إجماع ففي كلتا الحالتين هو بضعة منك فلا يصح الجمع أيضا على هذا .
قال ابن حزم رحمه الله تعالى : " ولا معنى للذة لأنه لم يأت بها نص ولا إجماع وإنما هي دعوى ..." مسألة ( 163 ) المحلى .
وقال ابن العثيبمين رحمه الله : ( من مس ذكره ) " ظاهره " أنه لافرق بين أن يمسه لشهوة أو لغير شهوة . وهو يذهب إلى غير ذلك بالجمع .
والواجب والأصل التمسك بدلالة ظاهر اللفظ حتى يأتي ما يصح أن يصرف به عن ظاهره بوجه صحيح مقبول .
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : ولا يشترط للنقض بذلك الشهوة على الرواية الصحيحة في المذهب .
ومما يضعف الجمع أن الصحابة أحد فريقين إما آخذ بالنقض أو بعدمه قال الشوكاني : وقد ذكر الحازمي في الأعتبار جماعة من القائلين بهذه المقالة وجماعة من القائلين بالمقالة الأولى من الصحابة والتابعين . النيل ح252 .أ هـ ولم يذكر عنهم الجمع والله أعلم .
وإذا لم يصح الجمع فلابد من الترجيح
ونقض الوضوء بمس الذكر هو الراجح لما يأتي
من حيث الصحة و لتأخر حديث بسرة وتقدم حديث طلق بن علي رضي الله عن الصحابة أجمعين ومن حيث الأصول والتدرج في التشريع والأحوط .
قال ابن حزم رحمه الله عن حديث طلق : " أن هذا الخبر موافق لما كان عليه الناس قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج هذا لاشك فيه فإذا هو كذلك فحكمه منسوخ يقينا حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء من مس الفرج ولا يحل ترك ما تيقن أنه ناسخ والأخذ بما تيقن أنه منسوخ .
وثانيها : أن كلامه عليه الصلاة والسلام " هل هو إلا بضعة منك " دليل بين ٌ على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه " لأنه لو كان بعده لم يقل عليه الصلاة والسلام هذا الكلام بل كان يبين أن الأمر بذلك قد نــــــــســــــخ " وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلفَ فيه حكم أصلاً وأنه كسائر الأعضاء . أ هـ
يريد التصريح بالنسخ لو كان كما في قول جابر بن عبد الله رضي الله عنه " كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار .
وإذا تعارض ناقل عن الأصل وموافق للأصل يصار للناقل
قال الصنعاني رحمه الله : والحديث ( حديث طلق ) دليل على ما هو الأصل من عدم نقض مس الذكر للوضوء . السبل ح 67 .
قال الشوكاني رحمه الله : " ...حديث طلق موافق لما كان الأمر عليه من قبل وحديث بسرة ناقل فيصار إليه . النيل ( 1 / ح252 ) .
وهو موافق للتدرج في التشريع ونظير ذلك ماجاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل " .
وروى بعده عن زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن ؟ قال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة و يغسل ذكره قال عثمان : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب رضي الله عنهم فأمروه بذلك
قال يحي ( أحد الرواة ) : وأخبرني أبو سلمة أن عروة بن الزبير أخبره أن أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : يارسول الله إذا جامع الرجل امرأته فلم ينزل ؟ قال : " يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي " .
قال أبو عبد الله ( البخاري )
الغسل أحوط وذاك الأخير وإنما بينا لاختلافهم . ك الغسل ح 291 ، 292 ، 293 .
وعلى هذا كان العمل فمن بلغه حديث بسرة أخذ به ويقدم على غيره ممن قد لم يبلغه ومن علم حجة على من لم يعلم .
فقد روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ عن عروة بن الزبير يقول : " دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان : ومن مس الذكر الوضوء فقال عروة : ما علمت هذا فقال : مروان بن الحكم : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله يقول : " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ " .
ثم روى بعد ذلك عن عروة أنه كان يقول : " من مس ذكره فقد وجب عليه الوضوء .
قال الباجي رحمه الله في شرحه للموطأ : وقول عروة : " من مس ذكره فقد وجب عليه الوضوء " تصريح منه بالأخذ بخبر بسرة واعتقاد العمل به ولا يجوز أن يكون عروة مع دينه وفضله يصير إلى العمل به ويترك ما كان يعتقده من ترك الوضوء من مس الذكر إلا أن يصح عنده الخبر ويأخذه عمن يوثق بنقله ويلزم الأخذ بروايته .
وممن رجحه الصنعاني في السبل قال رحمه الله : " ...ولأن بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه أحد بل علمنا أن بعضهم صار إليه وصار إليه عروة عن روايتها فإنه رجع إلى قولها وكان قبل ذلك يدفعه وكان ابن عمر يحدث به عنها ولم يزل يتوضأ من مس الذكر إلى أن مات .
ومما يؤيد ذلك ما جاء في الموطأ من صحيح الآثار
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال : كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت فقال سعد : لعلك مسست ذكرك ؟ فقلت نعم فقال : قم فتوضأ فقمت فتوضأت ثم رجعت .
عن عبد الله بن عمر كان يقول : إذا مس أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء .
عن سالم بن عبد الله أنه قال : رأيت أبي عبد الله بن عمر يغتسل ثم يتوضأ فقلت له : يا أبت أما يجزيك الغسل من الوضوء قال بلى ولكني أحيانا أمس ذكري فأتوضأ .
أفيدونا جزاكم الله خيراً
والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ابن فرحات .