وسبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به بصحبة جبريل الأمين إلى السماوات العلى وأراه من آياته العظيمة الكبرى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا الذي خلق السماوات خلق الأرض والسماوات العلى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فضله الله بالعلم والرشد فما ضل وما غوى وأدبه فأحسن تأديبه فما زاغ بصره وما طغى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء وسلم تسليما
أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من النعم الكبرى والآلاء الجسيمة العظمى فإن نعم الله علينا سابقة وآلاءه متوالية متتابعة جعلنا الله خير أمة أخرجت للعالمين وفضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين واختصه بخصائص لم ينلها أحد من البشر ولن يصل إليها أحد ممن تقدم أو تأخر فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم ذلك المعراج الذي فضله الله به قبل أن يهاجر من مكة فبينما هو نائم في حجر الكعبة أتاه آت فشق ما بين ثغرة نحره إلى ما بين أسفل بطنه ثم استخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانا تهيئة لما سيستقبله ثم أوتيّ بدابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار يقال لها البراق يضع خطوه عند منتهى طرفه أي أن خطوته مد بصره فركبه صلى الله عليه وسلم وبصحبته جبريل الأمين حتى وصل بيت المقدس فنزل هنالك وصلى ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحباً به فنعم المجيء جاء ففتح له ووجد فيها آدم فقال له جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلم عليه آدم فسلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه آدم السلام وقال مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح وإذا على يمين آدم أرواح الشهداء من بنيه وعلى يساره أرواح الأشقياء من بنيه فإذا نظر إلى اليمين سر وضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ثم عرج به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح كما استفتح في الأولى وسئل كما سئل في الأولى ثم فتح له فوجد فيها يحي وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهما ابن الخالة كل واحد منهم ابن خالة الآخر وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم هذان يحي وعيسى فسلم عليهما فسلم عليهما فردا السلام وقالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به إلى السماء الثالثة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحباً به فنعم المجيء جاء ففتح له فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام فقال جبريل هذا يوسف فسلم عليه فسلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فرد السلام وقال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الرابعة فاستفتح كما استفتح في السماء التي قيلها فرد عليه ثم فتح له فوجد فيها إدريس صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا إدريس فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الخامسة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحباً به فنعم المجيء جاء فوجد فيها هارون بن عمران أخا موسى صلى الله عليهما وسلم فقال جبريل هذا هارون فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء السادسة فاستفتح فقيل له كما قيل في السماء التي قبلها ثم فتح له فوجد فيها موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا موسى فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم موسى بكى موسى فقيل له ما يبكيك قال أبكي لأنه لا من بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي فكان بكاء موسى حزناًَ على ما فات أمته من الفضائل لا حسداً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم عرج به جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحباً به فنعم المجيء جاء فوجد فيها إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلم النبي صلى الله عليه وسلم على إبراهيم فرد السلام وقال مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح وإنما طاف جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الأنبياء بأمر الله عز وجل تكريماً للرسول صلى الله عليه وسلم وإظهاراً لشرفه وفضله ولهذا كان كل واحد منهم يشهد له بالنبوة والصلاح وكان إبراهيم الخليل مسنداً ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة وكان هذا البيت يدخله كل يوم من الملائكة سبعون ألفاً يتعبدون ويصلون ثم يخرجون ولا يعودون إليه هكذا هكذا يأتي هذا البيت من الملائكة الذين لا يحصي عددهم إلا خالقهم جل وعلى ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة فرضي بذلك وسلم ثم نزل فلما مر بموسى قال ما فرض ربك على أمتك قال خمسين صلاة في كل يوم فقال إن أمتك لا تطيق ذلك وقد جربت الناس قبلك وعالجت بنوا إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال النبي صلى الله عليه وسلم فرجعت فوضع عني عشرا ومازال يراجع ربه حتى استقرت الفريضة على خمس صلوات فنادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وفي هذه الليلة ليلة المعراج أدخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة فإذا فيها قباب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الأنبياء حتى هبط إلى بيت المقدس فصلى بهم إماماً حين حان وقت الصلاة ثم عاد إلى مكة من ليلته بغلس فلما أصبح أخبر قريشاً بما رأى فكان في ذلك امتحان لهم وزيادة في الطغيان والتكفير وقالوا كيف تزعم يا محمد أنك أتيت بيت المقدس ورجعت في ليلة و نحن نضرب إليه أكباد الإبل شهراً في الذهاب وشهراً في الرجوع فهات هات بين لنا بيت المقدس وصفه لنا فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصفه لهم حيث جلاه الله له فجعل ينظر إليه ويصفه لقريش فبهتوا وقالوا وأما الوصف فقد أصاب ثم جاءوا إلى أبي بكر فقالوا إن صاحبك يقول كذا وكذا فقال رضي الله عنه إن كان قد قاله فقد صدق ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحوله المشركون يحدثهم فكلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قال أبو بكر صدقت فسمي الصديق من أجل ذلك رضي الله عنه أيها المؤمنون اعتبروا بهذه الآيات العظيمة واشكروا نعمة الله على ما أولاكم من النعم الجسيمة واسألوه أن يثبتكم على الإيمان إلى الممات وأن يحشركم في زمرة أوليائه وحزبه فإن حزب الله هم المفلحون واستمعوا إلى هذه القصة العظيمة في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الاسراء:1) واستمعوا إلى قوله تعالى في سورة النجم مشيراً إلى المعراج (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) يعني جبريل عليه الصلاة والسلام دنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فتدلى فكان قاب قوسين أو أدني فأوحى إلى عبده ما أوحى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى عباد الله أعرفوا هذه الآيات العظيمة واستدلوا بها على كمال قدرة الله عز وجل واعتبروا يا أولي الأبصار لعلكم تفلحون أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
***
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدأ الفجر وأنور وسلم تسليما
أما بعد
أيها الاخوة المسلمون فقد سمعتم أن الله تعالى فرض على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم هذه الصلوات فرضها منه إلى رسوله بدون واسطة وفرضها في أعلى مكان وصل إليه بشر وفرضها في أفضل ليلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرضها خمسين صلاة في اليوم والليلة وكل هذا يدل على عظم الصلاة وعلى محبة الله لها وعلى عنايته سبحانه بها وعلى أنها أهم فرائض الإسلام بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إن علينا أيها المسلمون أن نولي هذه الصلاة عنايتنا بأن نأتي بها كاملة بشروطها وأركانها و واجباتها وأن نسعى لفعل مكملاتها حتى تكون لنا نوراً وبرهان ونجاة عند الله يوم القيامة وإن من المؤسف أن هذه الصلاة أن هذه الصلاة العظيمة لدى أعين كثير من الناس غير مرغوبة ولا أبهين بها لا يرفعون بها رأساً ولا يرون بدها أولي ليها باساً قد غفلوا عنها فنسوا الله فأنساهم أنفسهم فيا أيها المسلمون حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وقوموا لله قانتين وأعلموا أنه لم يتم الإسلام حتى يأتي الإنسان للصلاة وأن من ترك الصلاة فهو كافر خارج عن ملة الإسلام، وأنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف فحافظوا يا عباد الله على الصلاة فإن الصلاة هي عمود الإسلام إذا أقامها الإنسان استقام دينه وهي التي إذا أتي بها الإنسان على الوجه المطلوب منه هي التي تنهاهم عن الفحشاء والمنكر كما قال الله تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )(العنكبوت: من الآية45) اسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مخلصين بذلك لله متعبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم و أكثروا أيها المسلمون من التوبة إلى الله و اخرجوا من المظالم التي تظلمون بها أنفسكم وتعتدون بها على حق الله وعلى حقوق عباده فإن الله ليمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته تلى قوله وتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر ذلك تلى قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) والحوا على الله عز وجل بكثرة الدعاء والافتقار إليه في كل ما تحتاجونه من أمور دينكم ودنياكم ألحوا عليه في ذلك في صلواتكم وفي خلواتكم أملين منه الإجابة مفتقرين إليه بظواهركم وبواطنكم اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا غيثاً تحي به البلاد ، وترحم به البلاد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الغانطين اللهم أسقنا ولا تجعلنا من الغانطين اللهم أسقنا ولا تجعلنا من الغانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب ولاهدم لا غرق، اللهم إنا نستغفرك فأغفر لنا و أرحمنا وأنت خير الراحمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر وترحمنا لنكون من الخاسرين فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . . .