فضيلة العلامة المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي : الحمد لله الرب العظيم ، الواسع الحليم الرؤوف الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله الجواد الكريم ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم في الصراط المستقيم . أما بعد :
أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، وإياكم أن تكونوا ممن قال الله فيهم : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) . [ مريم : 59 ] .
أضاعوا الصلاة بأن فوتوها عن الأوقات ، وتهاونوا بالجمع والجماعات ، ولم يخشوا ربهم ولا حذروا من العقوبات ، إذا صلوها نقروها نقر الغراب ، فلا سكون ولا طمأنينة ولا احتساب ، تحسبهم إذا شرعوا فيها مطرودين ، وتشاهدهم لأركانها وشروطها مهملين ، وتبصرهم عن جميع كمالاتها غافلين ، نسوا الله فنسيهم ، وضيعوا مصالح الدنيا والدين ، ضيعوا الصلاة واتبعوا لغيهم الشهوات ، وقدموا أغراض النفوس على القيام بالواجبات ، إن بدا لهم طمع طاروا إليه جماعات ووحدانا ، وإذا جاء أمر الله فهم كسالى عنه فحسبهم بذلك هوانا وخسرانا ، فياويح من قدم شهوات الغي عن طاعة مولاه ، وما أخسر من زهد في الخير واتبع هواه فأهلكه وأرداه .
أين الإسلام والإيمان يا من يدعيه !؟ وأين الخوف من يوم يجد فيه كل عامل عمله ويلاقيه !؟ يوم لا يجد هذا المفلس من أعماله ما ينجيه من عذاب ربه ويقيه .
فويل يومئذ للمضيعين للصلاة من ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) . [ عبس : 33 - 36 ] .
فأين هؤلاء الأراذل من أقوام يرون الصلاة أكبر نعمة من الله وأجل غنيمة !؟ فيتلقونها بصدور منشرحة وهمم صادقة وأعمال مستقيمة ، لا تفقدهم في جمعة ولا جماعة إلا إذا كان لهم عذر من الأعذار ، ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) . [ النور : 37 - 38 ] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
كتاب : " الفواكه الشهية في الخطب المنبرية " : ( ص 52 ) .