جاء في سير أعلام النبلاء(12/413) في ترجمة الإمام البخاري:
قال محمد بن أبي حاتم: قدم رجاء الحافظ، فصار إلى أبي عبد الله، فقال لابي عبد الله: ما أعددت لقدومي حين بلغك ؟ وفي أي شئ نظرت ؟ فقال: ما أحدثت نظرا، ولم أستعد لذلك، فإن أحببت أن تسأل عن شئ، فافعل، فجعل يناظره في أشياء، فبقي رجاء لا يدري أين هو.
ثم قال له أبو عبد الله: هل لك في الزيادة ؟ فقال استحياء منه وخجلا: نعم.
قال: سل إن شئت ؟ فأخذ في أسامي أيوب، فعد نحوا من ثلاثة عشر، وأبو عبد الله ساكت.
فلما فرغ قال له أبو عبد الله: لقد جمعت، فظن رجاء أنه قد صنع شيئا، فقال لابي عبد الله: يا أبا عبد الله، فاتك خير كثير.
فزيف أبو عبد الله في أولئك سبعة أو ثمانية، وأغرب عليه أكثر من ستين.
ثم قال له رجاء: كم رويت في العمامة السوداء ؟ قال: هات كم رويت أنت ؟ ثم قال: نروي نحوا من أربعين حديثا.
فخجل رجاء من ذاك، ويبس ريقه.
قال محمد: سمعت أبا عبد الله يقول: دخلت بلخ، فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثا.
فأمليت ألف حديث لالف رجل ممن كتبت عنهم.
قال الخطيب: وسئل العباس بن الفضل الرازي الصائغ: أيهما أفضل، أبو زرعة أو محمد بن إسماعيل ؟ فقال: التقيت مع محمد بن إسماعيل بين حلوان وبغداد، فرجعت معه مرحلة، وجهدت أن أجئ بحديث لا يعرفه، فما أمكنني، وأنا أغرب على أبي زرعة عدد شعره .ا.هـ
فهل مثل هؤلاء الأئمة يأتي من بعدهم بطرق لأحاديث لم يعرفوها البتة ولم تخطر باسماعهم؟
أو يقال هم رجال ونحن رجال .
صدق من قال عاش من عرف قدر نفسه .
ومنها ما ذكره الذهبي أيضا:
قال وراقه محمد بن أبي حاتم سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام ،فلا يكتب حتى أتى على ذلك أياما، فكنا نقول له فقال: إنكما قد أكثرتما على فاعرضا علي ما كتبتما ،فأخرجنا إليه ما كان عندنا ،فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه, ثم قال: أترون أني اختلف هدرا وأضيع أيامي؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.ا.هـ
هذا على حداثة سنه رحمه الله فكيف بعد ذلك، فمن يطيق حفظ ما حفظه البخاري من الحديث مهما علا كعبه في العلم ، فوجب معرفة قدر أولئك الحفاظ وعدم مخالفتهم إلا ببينة واضحة ، وفق الله الجميع لمعرفة قدر الأولين.
منقول